السر الدفين
تسللت فجأة يد المنية للوالد وهو في ريعانه .
الفقيد لم يتجاوز عتبة العقد الرابع من عمره .
بعد الوفاة الشبيهة بالصاعقة ، استتب الأمر لابنه الفتى الغض ، واستبد بتسيير شؤون البيت .
ساقه البذخ والترف إلى حياة اللهو والمجون ، فاتخذ بطانة سوء ، وهام على وجهه لا يلوي على احد ..
أمه تراقب تصرفه بانزعاج ، وتحسر..
لم تعد تستأمنه على نفسها ، كما تخشى منه على ابنتها وكل أهلها
هددها مرارا كما هدد اخته . غدا في فترة وجيز شرسا لا يطاق . .
تآمر يوما مع بعض خلانه. فأصيب إصابات بليغة برأسه ووجهه وكل أطرافه .
حمل إلى المستشفى فاقد الوعي ..
إنه في حالة حرجة .
وفي اليوم الثاني أكد الطبيب أن المصاب لا زال فاقدا لوعيه .ولن يبت في نوع العلاج حتى يسترجع وعيه . .
أمه تلازمه ليل نهار ، تحصي أنفاسه ،
إنها كثيرا ما تلاحظ اضطراب المسعفات ، وسريان أجواء التعبئة بين الأطباء ، لما تنبعث من إحدى الآلات القريبة إشارات ذات لون أحمر مزعج ومهدد .
وفي الليلة الخامسة ، مكثت مع الأم أختها الصغرى التي تطمئن لها كثيرا..
كالعادة ، أخذا مكانهما بجوار سرير المريض ، يرقبان ملامحه بحزن وحسرة ، ويرثيانه بعبرات مسترسلة ، وآهات مجلجلة في أرجاء القاعة .
ويتجاذبان أطراف الحديث ، لمقاومة غلبة النوم ، ومواكبة حركة عقارب الساعة المتباطئة .
صمتت الأم هنيهة ، ثم التفتت إلى أختها :
- إني مؤتمنة على وصية من زوجي . ولا أدري كيفية تنفيذها .
- تقصدين وصية أب ولديك ؟
- في الحقيقة إن الولد ليس ابنه .
صعقت الأخت من مفاجأة الخبر.
واسترجعت بذاكرتها أنها لم تسمع باقتران أختها برجل غير زوجها المرحوم؟.
فقالت أدركت الأم توقعات أختها ، :
الولد طفل متبنى . من المستشفى المركزي .
إحدى المساعدات الاجتماعية هناك طلبت مني تبنيه يوم وضعت ابنتي فاطمة ، لأن أمه تخلت عنه بعد ولادته بيومين ، وبقي بيننا إلى اليوم .
وقد ساءني كثيرا سوء سلوكه ، وخاصة بعد وفاة زوجي. .
أفرغت أختها نفسا عميقا ،:
- وما هي وصية زوجك ؟
- التفتت يمنة ويسرة لتتأكد من خلو المكان ، وقالت :
- منذ سنوات ، بعد الانتهاء من توديع الأهل والاصدقاء المشاركين في حفل تخرج الولد من الجامعة ، أسر لي زوجي بأنه أدى واجبه كاملا تجاهه ، إلا أنه لم يتبناه كما كنت أظن ، وأبدى رغبة ملحة في مصارحته. ولم يتمكن ، فتركها وصية مكتوبة ، أمانة في ذمتي .
و كم ألححت عليه ليجد مخرجا يجبر به خاطره ، ويواسيه ، ولكنه أبى..
ثم نظرت إلى أختها نظرة استعطاف ،:
- أرجو ألا تخبري أحدا بهذا السر .
- اتركيني أتصرف بالشكل اللائق وحسب ظروف الفتى الطريح .
عند زيارة الصباح الموالي استبشر الطبيب المعالج خيرا لما لاحظ على المريض مخايل الاسترجاع التدريجي لوعيه . فأعد العدة لإجراء العملية التي استغرقت عدة ساعات وكللت بالنجاح .
وقبل انتهاء مدة النقاهة ، وفي غفلة من الزائرين والعاملين بالمستشفى ، لملم المريض أغراضه .
وودع الجميع همسا .
وانصرف مستعينا بأحد خلانه .
وخلف وراءه فوق السرير رسالة دون فيها عبارة يتيمة بخط عريض :
" اللقيط غادر ولن يعود "
تسللت فجأة يد المنية للوالد وهو في ريعانه .
الفقيد لم يتجاوز عتبة العقد الرابع من عمره .
بعد الوفاة الشبيهة بالصاعقة ، استتب الأمر لابنه الفتى الغض ، واستبد بتسيير شؤون البيت .
ساقه البذخ والترف إلى حياة اللهو والمجون ، فاتخذ بطانة سوء ، وهام على وجهه لا يلوي على احد ..
أمه تراقب تصرفه بانزعاج ، وتحسر..
لم تعد تستأمنه على نفسها ، كما تخشى منه على ابنتها وكل أهلها
هددها مرارا كما هدد اخته . غدا في فترة وجيز شرسا لا يطاق . .
تآمر يوما مع بعض خلانه. فأصيب إصابات بليغة برأسه ووجهه وكل أطرافه .
حمل إلى المستشفى فاقد الوعي ..
إنه في حالة حرجة .
وفي اليوم الثاني أكد الطبيب أن المصاب لا زال فاقدا لوعيه .ولن يبت في نوع العلاج حتى يسترجع وعيه . .
أمه تلازمه ليل نهار ، تحصي أنفاسه ،
إنها كثيرا ما تلاحظ اضطراب المسعفات ، وسريان أجواء التعبئة بين الأطباء ، لما تنبعث من إحدى الآلات القريبة إشارات ذات لون أحمر مزعج ومهدد .
وفي الليلة الخامسة ، مكثت مع الأم أختها الصغرى التي تطمئن لها كثيرا..
كالعادة ، أخذا مكانهما بجوار سرير المريض ، يرقبان ملامحه بحزن وحسرة ، ويرثيانه بعبرات مسترسلة ، وآهات مجلجلة في أرجاء القاعة .
ويتجاذبان أطراف الحديث ، لمقاومة غلبة النوم ، ومواكبة حركة عقارب الساعة المتباطئة .
صمتت الأم هنيهة ، ثم التفتت إلى أختها :
- إني مؤتمنة على وصية من زوجي . ولا أدري كيفية تنفيذها .
- تقصدين وصية أب ولديك ؟
- في الحقيقة إن الولد ليس ابنه .
صعقت الأخت من مفاجأة الخبر.
واسترجعت بذاكرتها أنها لم تسمع باقتران أختها برجل غير زوجها المرحوم؟.
فقالت أدركت الأم توقعات أختها ، :
الولد طفل متبنى . من المستشفى المركزي .
إحدى المساعدات الاجتماعية هناك طلبت مني تبنيه يوم وضعت ابنتي فاطمة ، لأن أمه تخلت عنه بعد ولادته بيومين ، وبقي بيننا إلى اليوم .
وقد ساءني كثيرا سوء سلوكه ، وخاصة بعد وفاة زوجي. .
أفرغت أختها نفسا عميقا ،:
- وما هي وصية زوجك ؟
- التفتت يمنة ويسرة لتتأكد من خلو المكان ، وقالت :
- منذ سنوات ، بعد الانتهاء من توديع الأهل والاصدقاء المشاركين في حفل تخرج الولد من الجامعة ، أسر لي زوجي بأنه أدى واجبه كاملا تجاهه ، إلا أنه لم يتبناه كما كنت أظن ، وأبدى رغبة ملحة في مصارحته. ولم يتمكن ، فتركها وصية مكتوبة ، أمانة في ذمتي .
و كم ألححت عليه ليجد مخرجا يجبر به خاطره ، ويواسيه ، ولكنه أبى..
ثم نظرت إلى أختها نظرة استعطاف ،:
- أرجو ألا تخبري أحدا بهذا السر .
- اتركيني أتصرف بالشكل اللائق وحسب ظروف الفتى الطريح .
عند زيارة الصباح الموالي استبشر الطبيب المعالج خيرا لما لاحظ على المريض مخايل الاسترجاع التدريجي لوعيه . فأعد العدة لإجراء العملية التي استغرقت عدة ساعات وكللت بالنجاح .
وقبل انتهاء مدة النقاهة ، وفي غفلة من الزائرين والعاملين بالمستشفى ، لملم المريض أغراضه .
وودع الجميع همسا .
وانصرف مستعينا بأحد خلانه .
وخلف وراءه فوق السرير رسالة دون فيها عبارة يتيمة بخط عريض :
" اللقيط غادر ولن يعود "
via منتديات مجلة أنهار الأدبية http://www.anhaar.com/vb/showthread.php?t=35082&goto=newpost
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق