الأحد، 26 يناير 2014

كيف أسامحك!!!


كيف أسامحك!!!



خطّت عنوان الدرس"إنما الأمم أخلاق ما بقيت..." حضورها الذهنيّ عصيّ على التماسك، طرقات وجلة على الباب، تملّت المساعدة بفضول وجهها الممتقع وعينيها الغائرتين، همست لها بفحوى مكالمة هاتفية، ألقت الطبشورة، حملت حقيبتها وطوت الدرب نحو المشفى، حركتها دائبة في ردهة الإنعاش، اضطراب يفوق التصور، صبر بلا حدود، قلق ممزوج بحزن عميق، مدارات الألم تغزوها وبروق من أغساق بعيدة الغور تسحقها، إنّه وحيدها، والده لم يتحصّن ضد أعاصيره، ضربه وطرده فهجر البيت.





لمحتْ انهماك الأطباء في جسده،حرّقت الوقت بأدخنة سيجارتها، خرج الطبيب آسفا، متمتما بيأس: الجلطات المتتابعة فجّرت جسده بسبب جرعة المخدرات الزائدة، لا أمل، يمكنك وداعه، فالروح تغادر الجسد، دمعها يحترق وشذرات غضب تتطاير من عينيها، حدّقت فيه، ساقاه متضخمتان قاتمتان، أنفاسه ضعيفة، عيناه واهنتان تحومان في فراغ العتمة، مفعمتان بالرجاء والضراعة، يهرب بنظراته منها، توق خفيّ للاستسلام لرحمة الموت الوديع، أنفاسه تتلاحق خروجا بلا عودة من الجسد الرخيّ المستكين، وهنت عصبية الأصابع المرتعشة، متوسلا: أمي، سامحيني؟؟





الموقف ولّد استرجاعا لذكريات مؤلمة، هزّت يده بعنف، لسانها انفلت من عقاله، عدوانية نبرتها واضحة: كيف أسامحك والحياة جفّت في عروقي منذ رأيتك متطوحا من سطوة المخدرات المخيفة، و قد شدّتك سبل الكيف والرذيلة وعربدة السمّار ورفاق السوء إلى متاهة الإدمان، وقبعتَ في دائرة الغموض والتوجس والانغلاق، سحبوك من درب الاستقامة لتجالسهم في عتمة الأزقة ورفضت الإفصاح عنهم، تحررتَ من رتابة الجسد لتنوء بعربدة الهلوسة وتلبّستك روح العناد والمنافحة عن يقينك المخلخل"أنا حرّ، أفعل ما يمتّعني، قرفت من سلسلة المواعظ والإرشادات التربويّة"، ألقيتَ باعتراضاتنا المباغتة عرض الحائط، ولفّتك سيماء الملل"حلّوا عني، حياتكم ما بتعجبني"وإن وخزتك صحوة ضمير عابرة تعتذر عن خزي حماقاتك, وتكتنفني بوارق أمل في عودتك لجادة الصواب، فأغدو باحثة عنك في أزقة الحواري المظلمة ويرهبني التوهان فيعيدني والدك مكفكفا دمعي ودمعه: أتركيه لا فائدة ترجى منه، لقد هلك إنّه بقايا إنسان...والآن ترجو السماح!!





دويّ متواتر لإيقاع الذاكرة: طحنتنا دوامة العمل لنوفر لك حياة فضلى في كلّ ما تشتهي، انتظرت أن تكافئني بفرحة النجاح ولكنك وأدتها قبل التخرج وطمست بيد عاصية أحلام يقظة انهمرت عليّ بأمنيات واعدة، فحلمتك تتبوأ منصبا مشرّفا، وعريسا في زفة، متباهية بأسرتك ومغدقة على حفدتي حنو الجدّات.

تستقريء ذكريات غابرة: أأنسى ساعة الميلاد وسهر الليالي! وقد أزهر خريفي مع أوان ربيعك، وزغرد قلبي فرحا لإطلالتك عليّ بقوامك الفارع ووسامتك المبهرة، تائهة بأمواج عينيك التي تماوج فيهما اللون، رقيتك بسر الآيات وأغرقتك بغلالة البخور وسخاء النذور، أوغلت بالدعاء في غياهب العتمة خوفا من أن تنالك نظرات الحسد والغيرة.



انتابتها نوبات هستيرية من البكاء:سميتك شاهينا وخلتك ستحلق بالعلا ولكنك أبيت إلا أن تكون خفاشا يناور فئران العتمة، بعت ما أملك لتطهير دمك من آثام الإدمان، لكنك غافلتني وعدت للترياق وجلسات الكيف في الأزقة الخلفيّة المتوارية عن أعين الرقباء، لم قابلت إحساني بمليون إساءة!! تسترتُ على فعلك المشين حماية لسمعة أخواتك فكيف أزجر فضول الألسن وتطفلهم لمعرفة سبب موتك...والآن تريد أن أسامحك!!!



أيقظت سهوته بالنبرة المتعالية: لم أكن بغيّا حتى أعاقب على فقدك بوصمة عار، قل لي من تسبب بوأدك، أغانية لعوب خانتك، أم صديق خدعك أم،أم،أم.. من أعطاك الحق لتُهلك جسدا منحك إيّاه ربّ العزّة سليما معافى، آمنت بانتهاء الأجل وسلّمت بقضاء الله وقدره، لكنّي أرفضك مدمنا، ليتها سيّارة دهستك أو متّ بانفجار الأمس لعزيت النفس بموتك شهيدا.... كيف أسامحك!!



وصدّت الأذن عن حشرجة الروح المتصاعدة، وأغبشت الرؤيا دمعا يذرفه راجيا السماح، وفاضت الروح إلى بارئها ونظرات الرجاء معلّقة بها، وهستيريّة صراخها تملأ الأجواء: كيف أسامحك ...وقد قتلتني قبل موتك وبعد موتك... كيف أسامحك وقد سرقت كلّ أفراحي وألهبت أحزاني... الله يتغمدك برحمته يا ابن قلبي!!



انطلقت مهرولة في أروقة المشفى المترامية ثكلى تشق الثوب وتلطم الخدين ووو.....







via منتديات مجلة أنهار الأدبية http://ift.tt/KZ2Mlt

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق