الأحد، 26 يناير 2014

اللغة غيث غيمة











اللغة حقيقة تتطور باستمرار ، وإلاكانت مثلها مثل الجلمود من الصخر ؛ لكنها وبلا شك شقيقة غيمة تجتمع في الأعلى ، بعد ان تتكون من تبخر حبيبات المياه العذبة و الآسنة والمالحة ، فهذه المياه ، حين تتبخر لن تنمحي أبدا ؛ ولكنها تتخلص من الشوائب التي تلتبسها في الأسفل ، سواء كان هذا الأسفل نبعا أو جدولا أو نهرا أو بحيرة أو يما محيطا .

هي إذن : حركية حلزونية تنطلق من النطفة الولى إلى ما لا نهاية ، ومثل ،هذه المياه التي تحولت غيما متراكما في الأعلى لآيسكن في مكانه العلوي بل يتحرك في كل اتجاه و وجهة أو نحو ، حتى إذا ما لقي في ترحاله طقسا يتطلع إلى الارتقاء به نزل إلى الأسفل ثانية غيثا واختلط بالأرض فينسج الرداء الأخضر الذي يسر العين ، ويمتع الأذن ، ويريح النفس والروح حين يريح حاسة الشم عند الانسان و الكائن الحيوان غيره .

اللغة في تطورها مثل السحابة الدكناء النقية التي تنزل على الحقول والأفدنة ، مثلها تنزل على العقول والأفئدة قبل الألسن ، كي تزهر تلك الزهور المختلفة الأشكال والألوان والرائحة والطعم أو الشهد الذي تتذوقه الألسن .

اللغة مثل المادة الكيميائية التي يشكل منها الشيء المراد ؛ تحتفظ كما تحتفظ تلك بكنهها وتكويناتها الأصلية ، لكنها لابد أن تتجلبب أو تتزين بالحلل القشيبة الناضرة ، مثلها كالطبيعة حين تتعرس في فصل الربيع ، وتتبرج في الصيف ، قبل أن يحل فصل الخريف بكل عتوه ـ بكل رياحه ، وأنوائه ، وأعاصره .

مثل الطبيعة هي اللغة ، وأما الألسن التي تتحرك بها هي تلك الفصول الثلاث . وأما الفصل الرابع وأعني به فصل الشتاء ــ ، فهو فصل البيات .

لم تعش اللغة العربية إلا هذه الفصول ، فقد احتضنتها الفطرة أعصارا وأرداحا وأقواما ، حتى إذا ما استوت على ما عرفناه في الشعر الجاهلي ، وحكمة العرب و خطاباتهم ، ثم حين نزل الوحي بالقرآن زاد من استوائها وقوم أجنحة فروعها الخضرة ؛ ولما اتصل عرب الجزيرة بأقوام غيرهم تبرعمت الأفرع ، والأكمام تفتحت ، و أعطت من الثمر كما تعطي الحقول في فصل الحصاد ، فحييت الفصول الثلاث .

ولو أن اللغة العربية تبيتتْ كما تَتَبَيت بعض الحيوانات ، لما تطوت وتزينت ، بل تقف عند حالها الذي كان قبل البيات ؛ لهذا لابد أن تكون لغتنا مثل الماء الذي يسكن غيم السحاب في الأعالي ، وليس الحيوان الذي يسكن الكهوف في بياته

آخر الكلام : ــ

إنما اللغة مظهر من مظاهر الابتكار في مجموع الأمة ، أو ذاتها العامة ؛ فإذا هجعت قوة الابتكار توقفت اللغة عن مسيرها ، وفي الوقوف التقهقر ، وفي التقهقر الموت والاندثار . جبران خليل جبران



21 / 01 / 2014





via منتديات مجلة أنهار الأدبية http://ift.tt/LZsxCW

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق