الأحد، 25 مايو 2014

أنوثة النور

أنوثة النور .... حديث سيميولوجي إلى " فهو الهوى " شعر هاني درويش أبو نمير .



إن ممارسة الأدب ، كتابة وقراءة ، تنخرط فيما يسمى بميثاق البعد التخييلي ، بوصفه فضاء رمزيا / فنيا ،حيث تنشأ كيفيات غير متوقعة ، وإواليات للمعنى نابعة من اقتصاد يطال الملفوظات داخل فضاء السياق نصي او قل نوعا من آثار المعنى ذات بعد احتمالي . لذا فالنص الأدبي ، خاصة الخطاب الشعري ، ليس مجرد موضوع أو معطى جاهز ، تام ، خارج أي تأثير للعلامة التي تجسده ، فنحاول مقاربته ، فهما ، وتحليلا ، ووصفا بعيدا عن تأثيراتها وتأثرها . ذلك أن أساس السيميوزيس 1 يتجلى في مغازلة العلامات ، و مداعبة الحركة الدلالية أثناء تشكلها الجنيني الناشئ عن العلاقات والتعالقات التي تنسجها العلامات النصية بمختلف أشكالها مع بعضها البعض على مسار البنى الخطابية باعتبارها علامات محملة بأبعاد احتمالية تنفتح على أكوان من الوجود والكينونة ، تقرأ بوصفها منتجة لخطاب الذات ، نتقصى نسق اشتغاله الخاص ، تركيبه العميق أي كيف " ينفجر وينتشر "...لتتنفس هذه العلامة هوى جديدا شبيها بهوى ذات الحالة ــ كما سنرى ــ وذلك عبر صفاء التجربة الهووية 2 التي ستنسج تنظيما معجميا داخليا ، تفقد فيه العلامة صلتها بالمعجم التداولي الخارج نصي . ومن ثمة تنمو حركة السيميوزيس ، بوصفها حركة دلالية ، من هذه التشاكلات الطارئة منتجة شكلا للتعبير وآخر للمضمون 3 . فالبعد التخييلي إذن لموضوعات القيمة يتوقف على غنى العلامة ، تكثيفا وامتدادا 3 ، في بعدها السيميوزيسي لا اللساني ، كعلامة في طور التشكل المستمر ..... وهذا ما أحسته ذات الحالة بعمق في هذه التجربة الشعرية ، حين رضيت أن تعيش ــ بعد انتهاء التجربة طبعا ــ حالة انصياع قصوى لتأثيرات محمومة للهوى على إيقاع آثار العلامات الواصفة لهذه التجربة في بعدها الروحي والقيمي ، بوصفها علامات نورانية ، تنتمي إلى لغة روحية ، بل لغات . فيتولد فضاء احتمالي للتواصل سوف يحتضن التجربة الهووية بين ذات الحالة و بين أنوثة موضوعها المثمن ... " الهوى " .. ... تقول ذات الحالة : ــ عبر لغة الإحساس المباشر لحظة الاستعداد: " فهو الهوى ، كالبرق فجأة ساطع (...) إنما ينمي ازدهارا " ( تلألؤا ) . وتقول عبر لغة النور : " لغة ازدهاري أفصحتني ، ( تلألؤي ) فابتهاجاتي تعريني اغتباطا لايدارى ." ــ وعبر لغة الصمت حين تم التوحد : " والصمت أعرب سفر مشبوبي جهارا " . وــ ا لغة القلب : " وا إبداعها لغة الحس بلا قؤول " . و أخيرا عبر لغة الانتظار : لأعيش مسكونا بطيفك في خيالاتي وأحلامي ... وما قيد الحصول فالوجود السيميولوجي ــ كما نعلم ــ يتولد عن شرخ في أفق المعرفة أو الشعور ، وعن علة في الكينونة تطال ذات الحالة في علاقتها بموضوع القيمة ، وهذا ما جسدته وضعية ذات الحالة في موقفها من الحياة والقدر ، لتنتشر بعد ذلك الأبعاد التصويرية ، عبر فضاء تخييلي، مجسدة علاقة الذات بموضوع القيمة المفتقد أو المثمن عبر حركة السيميوزيس كعلاقة قائمة بين الصور الكونية المشكِّلة لتصورات الذوات الحيارى ، طيها ذات الحالة ، والصورالعاطفية أو الفكرية المضطربة والرغبات المتناقضة ، فيتم إسقاط حالات الأشياء ص 70 ( البرق ــ الصواعق ــ الخصب ــ طقس الحماقات ــ الليل ــ النهار ..... ) على حالات النفس / الروح والمشاعر ، حيث تقبل الذات أو ترفض أن تشكل / أو يكون لصورة العالم معنى بالنسبة لها ، وهذا ما شكل استجابة رضى فورية لذات الحالة معلنة انخراطها في هذا الكون الجديد ، حين أحست بهبوب نسيم الهوى ، عبر وميض البرق ، الذي انتشلها من مستنقع إكراهات الحياة ، ومعاكسة القدر إلى فضاء رحب ، عطر ، مشرق .... . لذا فإن أثر المعنى سوف ينتظم انطلاقا من جسدها الذاتي ، بوصفه مظهرَ تصدعات أشَّرت عليه حالات الاحتيار وعدم الرضى ، الكاشفة عن أزمة عميقة في علاقة ذات الحالة بذاتها وعلاقتها بالعالم حولها ، كما هو شأن الحيارى ، وهذا ما سنلمسه على مستوى توزيع مسار التجربة الذي سينعش روحها الثكلى التي وعت التجربة كإدراك حسي هووي مفترض ، بدءا من فضاء التوتر الأول 4 ص / فضاء الاحتيار . غير إنه من خلال القصد التوتري الذي سترسمه ذات / الحالة "الحاسة " عبر واقعها المتأزم ، فإنها ستباشر رسم معطيات مجالها التوتري محددة فيه آفاق ظهور تلوينات للحالات والتحولاتها أو لاختفائها ، وذلك نتيجة صراع مشاعرها الهووية المتناقضة ، كما سنرى... و سيعمل وعي الذات هذا على تأسيس مجال " التعاقد " بوصفه ميثاقا بين ذات الحالة والمرسِل وموضوع القيمة ، كما يجسد ذلك الترسيمة التالية :

المرسل ............ الموضوع .......... المرسل إليه . الأنوثة......... ..... الهـــــــوى.......... ذات الحالة . المساعد ............. الــــــذات ............ المعيـــــــق . الأنثى ............... ذات الحالة .......... .الشيخوخة . ذات الحالة نفسها ......................... الحياة . القدر . وبذلك سوف ينشأ ، مجال الحضور محددا بعمق الطاقات المتصارعة جراء تناقض القيم ، قيم سلبية : إحباطات ... سخط ... يأس ... و قيم أيجابية : الأمل ... التفاؤل .... الرضى ... بوصف هذا الحضور نواة لانطلاق مسار الخطاب لتتولد حركة تسريع لحالة الادراك الحسي والهووي ، متجلية في أنماط العلامات والأيقونات والايقاعية التوترية ( ....اغتباطا لا يدارى ... يعصفني ابتدارا... وثار ... بادرت ... ) ، ومن ثمة ستكون نواة انتشار هذا المسار سيمتين توتريتين ( نهار / ليل ... نور / ظلام ... سخط / رضى مشكلة بذلك البنية التكوينية "carré sémiotique " 5 التي ستعمل على نشر وتوزيع محافل الخطاب أي نوعا من التصورات الإسنادية ، تتغيى من ناحية مسندا إليه محتملا ــ الأنوثة هنا بوصفها محفلا خطابيا سيعمل على تحويل حالة الليل إلى نهار وحالة الظلام إلى نور عبر موضوعة " الهوى " ــ ، وستتوزع آثاره عبر فضاء الخطاب المحقق ، ومن ناحية أخرى يتم تداول مسندات هي عبارة عن حالات وتحولات وكيفيات وأفعال ، ستعمل كمؤولات لهويات الذوات : ذات الحالة ــ الأنوثة ــ ذات الشيخوخة ــ الطفولة .. في علاقاتها بموضوع القيمة . ذلك ما حاولت البوح به التجربة الشعرية المتميزة للشاعر المتميز الأخ هاني درويش أبو نمير ، فكيف تم نسج مسارها الدلالي ؟؟ يرسم العنوان " فهو الهوى " بؤرة التصادي بين الكينونات المشكَّلة عبر الضمائر :هو ــ هي أنا ــ نحن ومن ثمة مسار هذه التجربة الهووية ككل ، بدءا من حالة سابقة تضم تأثيرات ، وتوترات اجتاحت الذات الهووية ( sujet passionné ) 6 ، بفعل معاكسة الحياة والقدر ، فكان الاقرار بهذا التقبل الذاتي والاستعداد لانفراج ينبئ بتحول مرتقب لهذه الوضعية التوترية والاحتيارية التي خيمت على الذوات ، وكانت ذات الحالة إحداها . وهذا ما سيجعلها تتهيأ لاستقبال إرهاصات هذا الانفراج عبر لحظات حياتية تستهلها : ــ لحظة التوتر الأولى : " أهي الحياة ( وتمتد إلى ) إنما ينمي ازدهارا ". ــ لحظة الاستعداد : " لغة ازدهاري " ( وتمتد إلى ) " يرجم العشاق والعشق افتقارا ". ــ لحظة حلول وتوحد : " لكنها أنت التي اكتسحت أنوثتها افتقاراتي ، وأحكمت الحصار " ( وتمتد إلى ) " فباركنا افتخارا . " ـــ ثم لحظة افتراق وانتظار . " أحبيبتي ، لا تقلقي إما افترقنا فالحضور بخاطر يحيي الحوار . " ( وتمتد إلى ) " لأعيش مسكونا بطيفك في خيالاتي وأحلامي وما ... قيد الحصول ". فمن زاوية تلفظية سنعتبر القصيدة بأكملها مركزة حول حالة عاطفية / روحية عاشتها " أنا " حيرى ، حيث المسار يتأسس على وجهة نظر غنائية عبر حالة توتر وجودية طالت كينونتها ــ والأكيد أنها ليست حالة فردية ــ ،لأن المشهد التلفظي 7 يكتمل بحضور ذوات أخرى : الذوات الحيارى ــ الضمير " أنتِ " بوصفه رحم التجربة الذي ستشع عنه الأبعاد التصويرية التي ستؤثث مسار الخطاب...عاملة على انبعاث فضاء حميمي تم فيه التحام الضميرين ــ " أنا " و " أنتِ " " ذات التقينا " متجاوزة بذلك عتبة فضاء التوترات الأولى إلى حالة هووية قصوى ... ففي لحظة الاستعداد، يستهل السارد / الشاعر تجربته الهووية بتساؤل حول وضعية ذوات حيرى طيها ذات الحالة تنتظر وتترقب انفراجا وتحولا لحياة يملؤها السخط والقلق والتوتر ..... وينطلق التساؤل من افتراضات تتغي منفذا لحالة اليأس والقنوط والتوتر نحو حالة استقرار وتوازن . حالة توتر خلقتها اكراهات الحياة ، وصروف القدر ، وتحاول ذات الحالة إيجاد مؤول لهذه الإرهاصات الأولية التي تنبيء بتحول مرتقب لهذه الأزمة الإنسانية جسدتها التساؤلات الافتراضية التالية عبر الاستهلال :

" أهي الحياة وقد أسفرت وجه الرضى ؟

لتجود بمنفرج ترقبه الحيارى ؟ "

أم أن الأمر مصدره القدر الذى قد يكون لان وأشفق للحالة المزرية لهذه الذوات وهيأ فرصة اللقاء بين ذات الحالة والأنثى ... تقول ذات الحالة : " أم أنه قدري ؟ وليس تصادفا ذات التقينا (.... ) ". غير أن الذات أدركت عبر إحساسها المرهف أن مبعث هذا التحول حالة هوى اعترى الذات جراء لقاء تم صدفة مع أنثى ، تغيرت معه كل المقاييس ... فتحول الليل نهارا ... الظلام ضياء... والحزن فرحا ... والسخط رضى .... تقول ذات الحالة : " فهو الهوى ، كالبرق فجأة ساطع يهمي الصواعق ، إنما ينمي ازدهار ... " هوى صادف لدى ذات الحالة الرغبة والقدرة على الفعل ، إرادة قوية لخوض تجربة هووية رغم العوائق التي تحاول تثبيط الذات كما سنرى .فالذات وجدت في هذا اللقاء المباغث ، الذي لم يتم عن طريق موعد سابق ، هويتَها ، كينونتَها ، التي عبثت بها إكراهات الحياة وطوَّح بها القدر في متاهات وجودية أورقت سخطا وقلقا واضطرابا وحيرة .. ذاتا عاشت مأساة إنسانية في هذا الفضاء الموبوء ، المعتم ، جسده هذا الاستهلال المأساوي ، لتجد نفسها في فضاء نوراني ، علوي ، سماوي يحمل قيما إنسانية نبيلة ، مؤشر ذلك الطقوس التي صاحبت إرهاصات هذه التجربة الهووية حيث نلفي التشاكل الدلالي isotpies 8 لهذه الأبعاد التصويرية يحيل على سمة séme 9 النور / الضياء : النهار ... البرق .. ساطع ... ازدهار... ( معناها السياقي والمعجمي التلألؤ ... ازدهر = تلألأ ــ كما سبق ــ ) . فوميض البرق / الهوى..شكل جسرا لعبور الذات نحو فضاء آخر علوي ، لأن مبعث هذه الحركة الهووية كان سماويا ، خلافا للفضاء الأرضي الذي كان مصدرا للقلق والاضطراب والاحتيار .. فالفضاء العلوي سيعمل على استئصال حالات القنوط والسأم وخيبة الأمل والتوتر والاحباط و الاستياء ... التي شكلتها الأبعاد التصويرية : الليل ــ الصواعق ... الاحتشام المحبط .. الرزانة الشوها .. العصاب الممقوت ... ومن ثمة سيتولد فضاء الأمل والرضى ، مقابل فضاء السخط والاستياء ، حيث تتشكل البنية التكوينية التي ستعمل السيميوزيس على نشر تناسلاتها الدلالية عبر مسار الخطاب ، بنية ترسمها الصور الشعرية التالية ... ــ " فانجلى ليلي نهارا " : ـــــــــ الليل مقابل النهار / ( السخط مقابل الرضى ) . ــ " كالبرق فجأة ساطع يهمي الصواعق إنما....." : ــــــــــ النور مقابل الظلام / ( الإحساس المرهف مقابل القساوة ) . فاللقاء بالأنثى كان صدفة والبرق لمع فجأة مؤشران على الإيقاع السريع الذي سيحتضن هذه التجربة ،حيث المشاعر الهووية باغتت الذات دون تهيؤ أو استعداد ، إنها تجربة آنية لحظية أو قل إشراقة مباغثة ستعمل على تحويل transformation سحري لوضعية ذات الحالة لأنها ستتكلم لغة البرق ، لغة الوميض ، والإشارة الخاطفة .. فالبرق ــ هنا ـــ لا يتكلم لغة الصواعق ، وإن اعتبر في الثقاقات الإنسانية كمؤشر على حالة الرعود والزوابع والصواعق المدمرة ، إنما كانت لغة تواصله مع ذات الحالة لغة إنماء نوراني " ــ الازدهار" . تقول الذات : ــ " إنما يُنمي ( البرق ) ازدهارا "( أي تلألؤا ) ... (و الفعل: أنمى ..يُنمي النار أي أشبع وقودها ــ قاموس المعاني ) . فكانت لغة ذات الحالة كذلك لغة " الازدهارا " ــ أي التلألؤ " شأن لغة البرق .... تقول ذات الحالة : ـــ " لغة ازدهار أفصحتني ، فابتهاجاتي تعريني اغتباطا لايدارى " . وتقول أيضا : ـــ " والوقت قدام ، وأضرم فيه نارا نارا من الوجد المقيم ..." إذن الهوى نور ، لغة التواصل معه سوف تكون .... لغة نور .. لغة أحالت ذات الحالة بمعية أنثى الإحساس ــ بعد سطوع البرق ــ مزنتيْ عشق ...إنه كيان التوحد الجديد الذي أسفر عنه هذا الانصهار بين الأنوثة وحس الذات المرهف ، ليتحول العشق أداة إنماء للقيم الهووية ، وازدهارا لها ــ كما سنرى ــ فلحظة الحلول والتوحد ، كانت لحظة هووية ، نورانية بين إحساس مرهف وأنوثة أصيلة ، ولا أقول بين جسدي العاشق والمعشوقة .... فالهوى برق لامع ، نوَّر رؤية ذات الحالة... فأزهر مزنا لا يحمل مطرا عاصفيا ، بل عشقا وهياما ووجدا رسالة لكل الحيارى ضحايا إكراهات الحياة ومعاكسة القدر . تقول ذات الحالة : " واحبها لغة جلتنا مزنتي عشق نروي الخصب في كل الفصول" . وتقول : " هبي لنختصر اللغات برشفة تاقت لما في الوصل من ري نبيل " . إن الهوى يتكلم لغات ، قيما ، تختلف باختلاف عمق التجربة الهووية ، فهو يتكلم لغة الحب بمختلف مراقيه ، ولغة الفضيلة ولغة والرجولة والأنفة والكبرياء بوصفها لغات هووية ، قيم إنسانية نبيلة شيء من الري النبيل .. ، لاحظ حضور تيمة الماء بقوة بوصفها تضمر قيما هووية أسندتها إليها الثقافات الإنسانية في الإيجابي ... إنه مصدر الخلق ...الحياة .... فالبرق و الصمت والحس المرهف قنوات عبور الذات إلى فضاء التجربة في صفائها وبراءتها وشفافيتها إنه انتقال الرؤية من الأدني إلى الأعلى من الرؤية البصرية إلى الرؤيا ( القلبية) لأن مصدر التحول كان من الأعلى / السماء ( تموضع البرق ) ، في حين كان تموضع الذات المتأزمة في الأدنى / الأرض ، فطالما ارتبط السماوي بقيم الفضيلة والأرضي بقيم الرذيلة المادية التي كانت مصدر معاناة الذات بل الذوات الحيارى . لذلك كان الصراع الذي ألم بذات الحالة باطنيا لا جسديا ، صراع بين قيم الشيخوخة المزيفة المرتبطة بقيم شكلتها الثقافات المعيقة لحركة الذات وتحررها وقيم أصيلة تدعو الذات إلى هذا النداء الهووي . تأمل هذا الحوار الباطني الحاد ، يصور بعمق حرارة إحساس الذات وهي تستعد للتجربة الهووية ، وأخرى متكلسة ، منطوية ، تعيش فضاء الاحتيار ، وصراع الرغبات ، يتم ذلك عبر أبعاد تصويرية شفافة ... " والكبرياء تحاسرت في الدهشة القصوى لعشق هب يعصفني ابتدارا .. " في حين يكشف الهوى ، بوصفه المرسل ، عن تناقض حاد للرغبات والعواطف التي تعتمل في كيان ذات سجينة إكراهات القيم الممقوتة ، المزيفة عبر صور ساخرة تفيض لذاعة ، وتهكما ... تقول الذات : " ما أبأس الرجل المجلبب باحتشام محبط يضنيه ، لم يعرف قرارا يخفي وراء رزانة شوهاء ممقوت العصاب ، ويجرع الرغبات قارا ويلص نشوته عصابي الفصام ، ويرجم العشاق والعشق افتقارا " غير أن هذا الافتقار الذي عانت منه ذات الحالة ، وغيرها من الذوات الحيارى ، بوصفه نقصا قيميا ، سيكون عتبة تحول قصوى في هوية الذات ، ستمهد لعملية الانصهار والتوحد مع أنوثة الأنثى باعتبارها عاملا مساعدا جوهريا في هذه التجربة الروحية تقول الذات : " لكنها أنتِ التي اكتسحت أنوثتها افتقاراتي ، وأحكمت الحصارا وطغى حضورك بافتتان الهوى فتسامق الإنسان منتبها ، وثارا متقحما ، متجشما عبء الهوى بادرت بشغف، ولم أخش الغمارا " . حيث يستفيق ذلك الدفين النبيل ، البريء ، العفوي ، الطفولي في الإنسان، االذي يحرر الذات من هذه القيم المبتذلة التي جلببتها بها التراكمات المتحجرة ، ويلبسها الحيوية والعفوية والانطلاق في فضاء المغامرات المرح ... تقول الذات : " ودخلت فردوس الحماقات الحميمة ، أقتفي البهجات هاجرت الوقارا فرقصت كالأطفال في عيد بهيج ، يهزجون وليس يخشون الكبارا " . فضاء طفولي ثري لاستنبات القيم وصفاء الروح من الضغائن ، وتشكيل الهويات وإشباع الرغبات ، فضاء رحب ، نوراني انفتح أمام الذات تخلصت فيه من قيود الوعي الشقي الذي نسجته إكراهات الحياة المادية ( الأرضية) لتنعم عبر إشراقة البرق / الهوى ، وشفافية الأنوثة ، بفضاء نقي ، طاهر ، يمتاز بصفاء الرؤيا ، قد أقول فضاء صوفيا من خلال المؤشرات التالية : " وعانقت الموائد والكؤوس كأن بي هرج السكارى ، ( ..... ) وتلمسي عبق الرجولة واترعي أصفى السلاف ، ومزمزيه ولا تحولي ." إنها الخمرة / الراح الروحية ( بوصفها أنوثة وقودَ الهوى ، المحتضنة لفضاء التجربة الهووية ) إنها كذلك .. الجارة التي آوت الذات ومنحتها الإحساس العميق بكينوتها الأصيلة ، الجوهرية .... عبر استضافة زانها الاندهاش ، والرغبات الأصيلة ، والحسن والجمال .... ــ " رواها شنارا " ــ لتأتي لحظة الحلول والتوحد والاستغراق في النشوة القصوى والاسترفاد من زاد القيم الهووية ، تزفهما إيقاعات عاطفية ، وأهازيج وجدانية منسابة .. " وبادرت ارتواءاتي جنى فإذا بها فوق اغتباطات الشكارى توقان واحتفيا احتفالات اشتياقات بهيرات الوقوع ولا شنارا لحن انسيابات العواطف صادق النغمات سلسال نتخاطفه حبارى والعشق يرقبنا ( ... ) فباركنا افتخارا " إنه الفضاء الروحي / الهووي الذي التحم فيه الروحان : روح القيم بروح ذات الحالة التي طوحت بها رغائب شوهاء ، ممقوتة ، جعلت منها ذاتا تعيش صراعا بين الكينونة والظاهر .. فضاء مؤثث بطقوس العشق" العذري" سيترك آثاره القيمية بعد انتهاء التجربة . إن التغير الجذري الذي طال ذات الحالة مثله استرسالها في لحظة من البوح العفوي والمناجاة العاشقة ، تستشرف حضور العلاقة الهووية التي نمت بينهما بوصفها ستصبح نسغ حضور مغيب ( الغياب الذي سيتم استحضاره عبر الطيف ) سيلازم الذات زادا روحيا في مواجهة الحياة المادية الراهنة ( التوتر ـ الارتياب ـ الاحتيار ) . " أحبيبتي ، لا تقلقي إما افترقنا فالحضور بخاطري يحيي الحوارا لن تغمض العين الجفون سوى على طيف ينادمني ، حميم لايدارى أفما تواعدنا على وعد اللقا ؟ ( ... ) " حيث ستحافظ الذات على هذا الميثاق الهووي ، بوصفه وعدا روحيا لن تنال منه رغائب الجسد أو تقلبات الزمن. ستترقب لقاءها دون آهات أو حسرات ، أواعتذارات ، شأنها مع حالات الحرمان جراء تضخم الانتظارات التي تراكمت بفعل قساوة الحياة ، وسخرية القدر ، مادام زادها الحلمُ والخيالُ في استرجاع اللحظات الهووية التي عاشتها صحبة الأنوثة ..... " أمضي إلى النوم القرير لأمتطي صهوات حلم فاته أرق السهارى فإذا صحوت فهاجسي صبوات وعدك بالإياب ولا أعاني انتظارا .. " ومن أصالة هذه التجربة الهووية أن ذات الحالة لم تباشر توصيف لحظة اللقاء ، أثناء حدوث التجربة كما هو شأن كثير من التجارب ، بل ، إن التوصيف قد طال آثار التجربة بعد انتهائها ، لأن الذات كانت في حالة اندهاش قصوى بل في حالة ذهول يشغلها عن التفكير والتعبير . تقول الذات : " كرم بوسع الاندهاش بعل قساوة الحياة ( ..) لو تدرين معنى ( نلتقي ) ــ عندي ــ لصار الاندهاش إلى ذهول لا تعجبي ، ( ....) " إذ ... كيف يتم التوصيف والتعبير في فضاء تعطلت فيه كل ملفوظات التواصل اللغوية لتحل محلها لغة أخرى لغة الحس ... والصمت .... والإشارة ، إنه فضاء أصبحت فيه الإشارة أبلغ من العبارة أليس هذا ما يحيل على فضاء التجربة الصوفية بامتياز ؟؟ !! لا بوصفها شطحات هيستيرية ، وغيبوبات مرضية ،عصابية ، بل بوصفها إشراقة معرفة وجدانية ، وإحساس مرهف بالكينونة والوجود وبلحظة الصفاء الروحي في ظل قيم إنسانية نبيلة .. تقول ذات الحالة : " كل التعابير التي نمقتها لـ (هلا ) قد انكفأت وأمعنت الفرار ( .. ) والصمت أعرب سفر مشبوبي جهارا فخم الحضور تبخر الكلمات نحن بصدقنا ، في غمرة العشق النبيل ( ... ) فالصمت إجلالا ، وحسبك ، لا تقولي هبي لنختصر اللغات برشفة تاقت لما في الوصل من ري نبيل . " إن العطاء بين الذاتين كان متبادلا ، فذات الحالة كانت ، في غمرة لحظة الحلول والتوحد ، قد فتحت أمام الأنثى مجالا رحبا للاستمتاع بها كذات تمثل كيانا طيبا لزرع القيم النبيلة دونما كبرياء أو خجل عكس ما تعللت به صورة الذات المتجللبة من احتشام محبط ......، لأن ذات الحالة كينونة أصيلة لاستنبات قيم الفضيلة والرجولة والعواطف الإنسانية الجياشة التي تصنع المعجزات .. تقول الذات : " هذا أنا ، رجل مباح للفضيلة فلتصولي دون جزع وجولي هاك ، ارتديني واخلعي خجلا فما في الحل من سبب لإحجام خجول . " وتقول : " الحب يا أنتِ اشتهانا فاعلني الإنسان مكتسحا ضروب المستحيل . " إن الذات ستظل مسكونة بهذا الهوى الإنساني ، الذي سيظل نسغ القلب الذي لا ينضب ، غير أنه مراقب من طرف العقل ... إنه وقود الذات النابض بالحياة ، و زادها في ذلك الخيالُ والحلم ، عبر طيف الأنوثة ، لا هواها . لأن التجربة الأصيلة لاتعاش مرتين ... تقول الذات : " توجت حبك في أعالي العقل تاجا ، وانتضيت القلب للعشق الأصيل لأعيش مسكونا بطيفك في خيالاتي وأحلامي ....وما قيد الحصول ." لذا يمكن تجسيد مسار السيميوزيس بوصفه حركة دلالية ــ كما رأينا ،، تم تسريبها عبر المحاور التالية . محور التضاد أثناء لحظة التوتر ثم محورالتناقض لحظة الاستعداد ، وأخيرا محور الاقتضاء لحظة الحلول والتوحد بعد حالة الاندهاش ، لتمر إلى حالة الذهول و وهذا ما حسدته سمات البنية التكوينية :

السخط............................. الرضى . (الليل)............................ .(النهار)

لا رضى .......................... لا سخط .

(؟؟؟....).............................( الدهشة )

حيث عاشت الذات حالةَ "سخط " جراء حالات الاضطراب والاحتيار ، لتمر إلى حالة " لاسخط " بتقبلها الانخراط في لحظات التجربة مستجيبة للنداءات الهووية ، مؤول ذلك تمظهرات التسريع والامتداد ، لتستمع بعد ذلك بلحظة " رضى " حين انغماست في فضاء التجربة الهووية ، الفضاء النوراني ، لتتطهر من آثار القلق والاضطراب وتستعيد كينونتها الأصيلة و المفقودة وتنعم بحياة هادئة ، راضية ... فبغض النظر عن الرؤية الإيديولوجية التي تمتح منها هذه التجربة الإنسانية نسغها ، فإنها بحق مثلت تجربة خصبة ، تشكل منعطفا في دروب الحياة المعاصرة الشائكة التي طوحت بكثير من الذوات في متاهات التيارات المتصارعة والمواقف المتضاربة فلم تجن سوى الحسرة ، والاضطراب ، والمعاناة الوجودية قد تصل إلى العدمية أحيانا. غير أن المثير فعلا في هذه التجربة ، هو الرؤية الفنية للذات الشاعرة التي ساهمت في نسج البناء المعماري لمسار الدلالة ، حيث نلمس دقة وتأنٍ في نمو حالات الانفعال الهووي ، وترصد دقيق لانسياب العواطف الذي جسدته الأبعاد التصويرية المتناسقة ، عاملة على خلق تلاحم بين الحالات والتحولات التي طالت رسم هوية الذوات عبر اللحظات الثلاث : الاستعداد ـــ الحلول والتوحد ـــ الترقب والانتظار .... هذه بعض الهمسات التي باحت بها عوالم هذه التجربة المتميزة .. عوالم ستظل منفتحة على كل ذات تنصت بعمق إلى نبض الحياة من حولها .... شأن غيرها من قصائد الشاعر : ــ ازدهار ــ إلى حيرى ــ الصمت والصبر ــ الحب موقف متمرد ...... إنها ... رؤية / بل رؤيا عميقة في مفصلة تحولات المشاعر الهووية عبر تحولات الرؤى وأصالة التجربة .... ــ محمد مهيم .

إحالات :

ــ " ......" القصيدة .. فهو الهوى .

1 ــA .J.Greimas,J.courtes : dictionnaire raisonné de la théorie du langage. P .339

2ــ غريماس وجاك فونتنيي: سيميائيات الأهواء: من حالات الأشياء إلى حالات النفس، :ترجمة: سعيد بنكراد، دار الكتاب الجديد المتحدة، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى سنة 2010م؛ ص : 67

3 ــ دراستي المنشورة بأكثر من منتدى وصحيفة وجريدة

4 ــ غريماس وجاك فونتنيي: سيميائيات الأهواء : مرجع سابق .ص 59

5ــ غريماس وجاك فونتنيي: سيميائيات الأهواء : مرجع سابق .ص 63

6 ــ A .J.Greimas,J.courtes : ibd . p 29

7 ــ غريماس وجاك فونتنيي: سيميائيات الأهواء : مرجع سابق . هامش ص 63

8 ــ غريماس وجاك فونتنيي: سيميائيات الأهواء : مرجع سابق .هامش . ص . 55

9 ــ A .J.Greimas,J.courtes : ibd . p.7 197

ــ 10 ــ A .J.Greimas,J.courtes : ibd . p.332





via منتديات مجلة أنهار الأدبية http://ift.tt/SBVzMC

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق