السبت، 24 أغسطس 2013

المقابر الجماعية/الجزء الثاني/احمد عيسى

المقابر الجماعية / الجزء الثاني

ذهبتُ للسؤال عن ولدي الذي لم يعد إلى الآن ، وهو ليس من عادته أن يتأخر، وحتى لو تأخر فهو يكلمني ، إلا إنني لم احصل على أي جواب ، لا في مراكز الشرطة ولا في المستشفيات .

توجهت بعد ذلك إلى الأعلى في المسؤولية ثم الأعلى ، ولكن بلا فائدة ، وعند خروجي من احدهم ناداني الحارس وهمس بأذني ، إن ابنك أخذوه بسيارة إلى جهة مجهولة .

بعد ذلك بدء سيل الاتهامات يوجه اليّ ، وكل أسبوع إن لم يكن كل يوم أنا في مركز من مراكز الشرطة لتوجيه الاتهامات لي ولولدي الذي لا أعرف أين هو، وليستمر الحال لسنوات عديدة.

سقط النظام وتبدد الخوف وبدئت الناس تبحث ، فهذا يبحث عن ابنه وتلك تبحث عن زوجها وأنا الأم ابحث عن ولدي ، ولدي الذي ربيته مدللاً بين الآه والحسرات ، لقد كنا في غرفة طينية لا يدخل الصباح في متسع غرفتي، وأنا اكدح من اجل أن لا يشعر بالعوز ,حقاً أن الأمر يستعصي عليّ كلما حاولت أن أنفض غبار الليل عن مقلة النهار ,والج مترنحة احتسي النوم العميق وأنتظر متى تدق ساعة الصفر ليستيقظ أهل قريتي فيفرون كعصافير يوم النفير لنبحث عن الضائع عسى أن تكون بارقة أمل تُعيد الحياة أليّ .

جلستُ مبكرةً ، أنضر إلى الصباح في هذا اليوم ، مرتبكٌ هذا الصباح ، القلق يغلف الأجواء رغم حبات الندى العالقة على الأوراق.. ليس من عادة الشمس النوم حتى ساعة متأخرة ، ربما هي متخفية خلف الغيوم ، أو لعله عدم قدرتي على الرؤيا .. أو إنها لازالت تخافُ أن يصطادها قناص بهوية أسد.

قبل اشتعال الثورة ، كانت تجمعنا هناك في ساحة الدار مناسبات لا تنسى.. كانت الحكايات والمواويل والطرائف تُزين المساءات ، لكنهم سرقوا كل شيء منا حتى الضحكة الجميلة بل وحتى الابتسامة البسيطة .

لبستُ الشال ووضعتُ عليه العباءة ، وهممت بالخروج ، فاستوقفتني المرءاة حين تأملت نفسي ،عينان..كانتا تشعان حزنا دفينا لا يراه غير محترف لتفسير قسمات العيون ! قبل أن يكتمل المشهد بانتكاسة على محياي الذي كان يشع جمالاً .. انتكاسة تراكمت عبر سنوات القهر والحرمان الذي أتجرعه بشكل يومي حتى افقدني معنى الأنوثة أصبحت اشعر بالوحدة فكل من حولي لا وجود لهم وكان الأيام تحكم علي بموت أحاسيسي وكان الدموع تأسرني إلى ارض الآهات لم اعد اعرف أين سأمكث بداخلي أم استفيق لحلم ضاع في صفحات السنين

ذهبتُ للبحث عن ابني الذي اشتاقُ لرؤيته ، وأحلم به كل يوم وقفتُ عند باب بيتي ارتجف ، داخلََني خوف منقطع النظير ، بل وجل قاتل على مصير ابني ، و إباءٌ عظيم تشتعل به أعماقي ،اخرج صباحاً يلفني الليل، يحضنني كالطفل. لم تتفتح عيناي إلا على ظلمته السرمدية حتى صرت من أبنائه، لقد أصبح نهاري ليلا أتسكع فيه للبحث والسؤال لأعود وارتمي على فراشي منهكة متعبه .

مرت الأيام وأنا أواصل البحث بلا هوادة ، وفي لحضه فتَحتُ التلفاز فجاءني الخبر ، لقد تم العثور على مقبرة جماعية تضم رفات لمواطنين تم دفنهم أحياء في زمن النظام البائد.

ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي ، وانجلى الليل.

ركضتُ مسرعةًً إلى المقبرة الجماعية ، ووصلتُ إليها ، انه ابني هذه أوراقه وهذه ملابسه نعم انه هو ، أنضر أليّ يا ولدي جسد نحيل،...أنا أجلس بجانبك هل تراني يا أغلى عندي من الدنيا وما فيها.... وفي لحضه لا اعرف ما هي هل هي غضب أم انتصار أم حقد على الماضي ،نهضت ورفعت يد ابني وناديت ، يحيا النضال وتحيا الثورات ، عاشت الشعوب المناضلة .....أتركونا نحيا بسلام .



انتهى

اخوكم

احمد عيسى






via منتديات مجلة أنهار الأدبية http://www.anhaar.com/vb/showthread.php?t=34955&goto=newpost

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق