السبت، 28 ديسمبر 2013

السر الدفين ـ اقصوصة


السر الدفين





تسللت فجأة يد المنية للوالد وهو في ريعانه .



الفقيد لم يتجاوز عتبة العقد الرابع من عمره .



بعد الوفاة الشبيهة بالصاعقة ، استتب الأمر لابنه الفتى الغض ، واستبد بتسيير شؤون البيت .



ساقه البذخ والترف إلى حياة اللهو والمجون ، فاتخذ بطانة سوء ، وهام على وجهه لا يلوي على احد ..



أمه تراقب تصرفه بانزعاج ، وتحسر..



لم تعد تستأمنه على نفسها ، كما تخشى منه على ابنتها وكل أهلها

هددها مرارا كما هدد اخته . غدا في فترة وجيز شرسا لا يطاق . .

تآمر يوما مع بعض خلانه. فأصيب إصابات بليغة برأسه ووجهه وكل أطرافه .

حمل إلى المستشفى فاقد الوعي ..



إنه في حالة حرجة .

وفي اليوم الثاني أكد الطبيب أن المصاب لا زال فاقدا لوعيه .ولن يبت في نوع العلاج حتى يسترجع وعيه . .



أمه تلازمه ليل نهار ، تحصي أنفاسه ،

إنها كثيرا ما تلاحظ اضطراب المسعفات ، وسريان أجواء التعبئة بين الأطباء ، لما تنبعث من إحدى الآلات القريبة إشارات ذات لون أحمر مزعج ومهدد .



وفي الليلة الخامسة ، مكثت مع الأم أختها الصغرى التي تطمئن لها كثيرا..



كالعادة ، أخذا مكانهما بجوار سرير المريض ، يرقبان ملامحه بحزن وحسرة ، ويرثيانه بعبرات مسترسلة ، وآهات مجلجلة في أرجاء القاعة .



ويتجاذبان أطراف الحديث ، لمقاومة غلبة النوم ، ومواكبة حركة عقارب الساعة المتباطئة .



صمتت الأم هنيهة ، ثم التفتت إلى أختها :



- إني مؤتمنة على وصية من زوجي . ولا أدري كيفية تنفيذها .



- تقصدين وصية أب ولديك ؟



- في الحقيقة إن الولد ليس ابنه .



صعقت الأخت من مفاجأة الخبر.



واسترجعت بذاكرتها أنها لم تسمع باقتران أختها برجل غير زوجها المرحوم؟.

فقالت أدركت الأم توقعات أختها ، :



الولد طفل متبنى . من المستشفى المركزي .



إحدى المساعدات الاجتماعية هناك طلبت مني تبنيه يوم وضعت ابنتي فاطمة ، لأن أمه تخلت عنه بعد ولادته بيومين ، وبقي بيننا إلى اليوم .



وقد ساءني كثيرا سوء سلوكه ، وخاصة بعد وفاة زوجي. .



أفرغت أختها نفسا عميقا ،:



- وما هي وصية زوجك ؟



- التفتت يمنة ويسرة لتتأكد من خلو المكان ، وقالت :



- منذ سنوات ، بعد الانتهاء من توديع الأهل والاصدقاء المشاركين في حفل تخرج الولد من الجامعة ، أسر لي زوجي بأنه أدى واجبه كاملا تجاهه ، إلا أنه لم يتبناه كما كنت أظن ، وأبدى رغبة ملحة في مصارحته. ولم يتمكن ، فتركها وصية مكتوبة ، أمانة في ذمتي .



و كم ألححت عليه ليجد مخرجا يجبر به خاطره ، ويواسيه ، ولكنه أبى..



ثم نظرت إلى أختها نظرة استعطاف ،:



- أرجو ألا تخبري أحدا بهذا السر .



- اتركيني أتصرف بالشكل اللائق وحسب ظروف الفتى الطريح .



عند زيارة الصباح الموالي استبشر الطبيب المعالج خيرا لما لاحظ على المريض مخايل الاسترجاع التدريجي لوعيه . فأعد العدة لإجراء العملية التي استغرقت عدة ساعات وكللت بالنجاح .



وقبل انتهاء مدة النقاهة ، وفي غفلة من الزائرين والعاملين بالمستشفى ، لملم المريض أغراضه .



وودع الجميع همسا .



وانصرف مستعينا بأحد خلانه .



وخلف وراءه فوق السرير رسالة دون فيها عبارة يتيمة بخط عريض :





" اللقيط غادر ولن يعود "






via منتديات مجلة أنهار الأدبية http://www.anhaar.com/vb/showthread.php?t=35082&goto=newpost

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق